يؤكد مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس” أن اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، الذي يصادف العاشر من أكتوبر من كل عام، يشكل مناسبة لتجديد الدعوة العالمية نحو احترام الحق في الحياة، ورفض جميع أشكال العقوبات التي تمس كرامة الإنسان أو تنتقص من إنسانيته. وقال المركز أن عقوبة الإعدام تمثل انتهاكاً صارخاً لجوهر الحق في الحياة الذي كفلته المواثيق الدولية، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي نص بوضوح في مادته السادسة على أن هذا الحق ملازم لكل إنسان، ولا يجوز حرمان أحد منه تعسفاً. وفي هذا السياق، يوضح مركز شمس أن استمرار تطبيق عقوبة الإعدام في عدد من الدول، واستخدامها كأداة انتقام سياسي أو وسيلة ردع غير إنسانية، يُعد مؤشراً خطيراً على التراجع في منظومة العدالة وحقوق الإنسان.
يدين مركز “شمس” بأشد العبارات استمرار الاحتلال الإسرائيلي في انتهاك هذا الحق من خلال ممارسات ممنهجة والمتمثلة في القتل خارج نطاق القانون، والتي تشكل في جوهرها تطبيقاً عملياً لعقوبة الإعدام دون محاكمة عادلة أو ضمانات قضائية. فسياسة الاحتلال القائمة على استهداف الفلسطينيين بعمليات الإعدام الميداني، واستهداف المدنيين والأطفال والنساء، هي في حقيقتها عقوبات إعدام جماعية تُنفذ بلا محاكمات، في خرق فاضح لقواعد القانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة التي تُلزم القوة القائمة بالاحتلال بحماية السكان المدنيين في الأراضي المحتلة. يؤكد مركز “شمس” أن هذه الانتهاكات المتكررة لا يمكن تبريرها تحت أي ذريعة أمنية، لأنها تعبّر عن نهج رسمي يشرعن القتل ويقوّض أسس العدالة.
كما يدين مركز “شمس” مساعي حكومة الاحتلال الإسرائيلي والكنيست لإقرار مشروع قانون يقضي بتطبيق عقوبة الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين، وهو ما يمثل تصعيداً خطيراً في سياسات القمع والعقاب الجماعي التي ينتهجها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني. هذا المشروع، الذي يتعارض كلياً مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي لحقوق الإنسان، يهدف إلى شرعنة القتل وإضفاء غطاء قانوني على ممارسات الإعدام التعسفي. ويشدد مركز “شمس” على أن سن مثل هذا القانون يضع إسرائيل في مواجهة مباشرة مع التزاماتها الدولية، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب، ويكرس نهج دولة الاحتلال بوصفها دولة استثنائية فوق القانون، تمارس سلطتها خارج نطاق المساءلة.
يؤكد مركز “شمس” أن هذه المحاولات لسن قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين تأتي في سياق أوسع من سياسات الاحتلال الرامية إلى نزع الإنسانية عن الشعب الفلسطيني وتجريد نضاله من صفته المشروعة كحركة تحرر وطني. فبدلاً من احترام القواعد القانونية التي تحكم سلوك قوة الاحتلال، تلجأ إسرائيل إلى تشريعات عنصرية تكرّس نظام تمييز وفصل عنصري، وتجعل من الفلسطينيين فئة مستباحة قانونياً. إن هذا الاتجاه نحو تشريع القتل لا يهدد حياة الأسرى فقط، بل يهدد فكرة العدالة ذاتها، ويقوض كل الجهود الدولية التي تدعو إلى إلغاء عقوبة الإعدام في العالم.
وفي هذا اليوم العالمي، يشدد مركز “شمس” على موقفه المبدئي والثابت الرافض لعقوبة الإعدام في كل الظروف، باعتبارها انتهاكاً لا رجعة فيه للحق في الحياة، وتناقضاً مع مبادئ العدالة الإصلاحية التي تهدف إلى إعادة تأهيل الجاني لا إنهاء حياته. ويؤكد المركز أن تجارب الدول التي ألغت العقوبة أظهرت أن العدالة لا تتحقق بالقتل، وأن الردع الحقيقي ينبع من سيادة القانون والعدالة الاجتماعية والتعليم والضمانات الحقوقية، وليس من إراقة الدماء باسم القانون.
يؤكد مركز “شمس” أن استخدام الاحتلال لعقوبة الإعدام – سواء عبر الإعدام الميداني أو من خلال تشريعات مقترحة – يشكل جريمة مزدوجة، لأنها تمارس ضد شعب واقع تحت الاحتلال، وهو ما يحظره القانون الدولي بشكل قاطع. ويدعو المركز المجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس حقوق الإنسان، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والدول الأطراف في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، إلى التحرك العاجل لوقف هذه الانتهاكات ومنع سنّ أي تشريع إسرائيلي يشرعن القتل، ومساءلة دولة الاحتلال عن سياساتها العنصرية التي تنتهك الحق في الحياة والحق في المحاكمة العادلة.
يؤكد مركز شمس أن مناهضة عقوبة الإعدام ليست مجرد قضية قانونية فحسب، بل هي معركة أخلاقية وإنسانية من أجل كرامة الإنسان وحقه في الحياة. فالحياة ليست منحة من سلطة أو نظام، بل حق طبيعي أصيل لا يجوز المساس به تحت أي ذريعة. وفي هذا اليوم، يجدد مركز شمس إدانته لجميع أشكال القتل الرسمي وغير الرسمي، ويشدد على أن الاحتلال الإسرائيلي، الذي يمارس القتل الممنهج ضد الفلسطينيين، هو آخر من يحق له الحديث عن العدالة أو الأمن، لأنه نفسه مصدر العنف والحرمان من الحياة.
يشير مركز “شمس” أن العدالة الحقيقية لا تتحقق بالإعدام، بل بإرساء قيم الحرية والمساءلة واحترام الكرامة الإنسانية. كما أن رفض عقوبة الإعدام هو دفاع عن إنسانية الإنسان أينما كان، وهو في الحالة الفلسطينية مقاومة قانونية وأخلاقية ضد نظام احتلال يسعى لتطبيع القتل وجعل الموت سياسة دولة. ومن هنا، يدعو مركز “شمس” جميع أحرار العالم، والمنظمات الحقوقية، والمؤسسات الدولية، إلى الوقوف صفاً واحداً ضد كل تشريع أو ممارسة تشرعن القتل، وإلى الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في الحياة والحرية والعدالة تحت مظلة القانون الدولي وكرامة الإنسان.
يطالب مركز”شمس” السلطة الوطنية الفلسطينية، واللجنة الدستورية العليا المنوط بها إعداد وصياغة مسودة الدستور الجديد لدولة فلسطين، بأن يتضمن الدستور نصاً صريحاً وغير قابل للتأويل يكرّس الحق في الحياة كحق طبيعي وأصيل ومطلق لا يجوز المساس به تحت أي ظرفٍ من الظروف، ويؤكد أن هذا الحق هو أساس جميع الحقوق والحريات، وهو الضمانة الجوهرية لكرامة الإنسان وحريته ووجوده. ويشدد المركز على ضرورة أن يُدرج الدستور نصاً واضحاً يُلغي بشكلٍ قاطع عقوبة الإعدام من جميع التشريعات الفلسطينية النافذة، ويمنع إعادة العمل بها مستقبلاً أو النص عليها في أي قانون أو لائحة، انسجاماً مع التزامات دولة فلسطين الدولية بموجب انضمامها إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولا سيما المادة (6) منه، ومع البروتوكول الاختياري الثاني الملحق به، الذي يهدف إلى الإلغاء التام لعقوبة الإعدام.
يؤكد مركز “شمس” أن إدراج نص دستوري يُحصّن الحق في الحياة من أي انتهاك، ويُلغي عقوبة الإعدام بصورة قطعية، يُعد خطوة جوهرية في مسار الإصلاح الدستوري والتشريعي الفلسطيني، ويظهر التزام دولة فلسطين بمبادئ الكرامة الإنسانية والعدالة الجنائية الحديثة، التي تقوم على الإصلاح والتقويم لا على الانتقام والعقاب بالموت. كما يعد ذلك انسجاماً مع التوجه الدولي المتنامي نحو إلغاء هذه العقوبة، ومع دعوات مجلس حقوق الإنسان والأمين العام للأمم المتحدة إلى تحقيق العدالة دون اللجوء إلى القتل باسم القانون.
يطالب مركز “شمس” بأن يكون النص الدستوري المقترح ذا قوة آمرة وملزمة لكل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بحيث لا يجوز سن أو تنفيذ أو تأويل أي قانون يتعارض مع مبدأ صون الحق في الحياة أو يجيز توقيع عقوبة الإعدام بأي شكل. ويرى المركز أن النص الدستوري المقترح يجب أن يصاغ بلغة قانونية دقيقة وواضحة على النحو الآتي “الحق في الحياة حق مقدس ومطلق لا يجوز المساس به. تُحظر عقوبة الإعدام حظراً باتاً، ولا يجوز سن أي تشريع أو إصدار أي حكم أو تنفيذ أي إجراء يؤدي إلى إزهاق روح الإنسان تحت أي ذريعة أو مبرر، وتلتزم الدولة بحماية هذا الحق واحترامه وضمانه لجميع الأشخاص دون تمييز.”
يجدد مركز “شمس”، مطالبته بإلغاء عقوبة الإعدام دستورياً وتشريعياً، يؤكد أن تكريس هذا المبدأ في الدستور الفلسطيني الجديد هو استثمار في العدالة والإنسانية، وضمانة لبناء نظام قانوني عصري قائم على صون الكرامة البشرية، واحترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وبما يعزز مكانة فلسطين كدولة تسعى للارتقاء بتشريعاتها إلى مستوى التزاماتها الدولية، وتجعل من دستورها مظلة تحمي الحق في الحياة لكل إنسان على أرضها دون استثناء.